الثلاثاء، سبتمبر 05، 2006

القطار

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"



يخرج مسرعاً من بيته متجهاً لعمله، يتحسس طريقه داخل ذلك الزقاق الضيق الذي يقيم به، يسرع الخطى بين تلك البيوت المتهالكة التي لا ينبعث منها غير أصوات الفضائيات المليئة بمن تعرضن مفاتنهن ويتلاعبن بمشاعر البسطاء والمحرومين ليلاً ونهاراً، لكنه اعتاد الأمر أثناء سعيه خلف لقمة العيش كأنه أصبح أمراً واقعاً، توجه لعمله الرتيب الذي يقوم به مقابل مرتب زهيد لا يكفي لسد رمقه أو تحقيق حلمه بالزواج ببنت الجيران التي يعشقها منذ الطفولة والتي وافق أهلها على خطبتهما بعد رفض دام طويلاً، طلبوا منه أن يسافر ليجمع المال الذي يعينه على الزواج، لكنه رفض أن يترك أرضه التي يحبها ويعيش بعيداً عن أسرته وأصدقائه...
يمر على كشك الحراسة الذي به عم شديد، يلقى عليه التحية كما اعتاد كل يوم، يجيبه عم شديد ببروده المعتاد، لكنه لا يكترث لهذا البرود، فاليوم هو اليوم المشهود، سيتم تثبيته بالوظيفة بعد كل هذه السنوات من القلق والصبر على العمل بعقد مؤقت. يصل لمحطة الأتوبيسات، يقف منتظراً الأتوبيس المزدحم الأشبه بعلبة اللحم المفرى، يتململ في وقفته، يخرج من جيبه علبة السجائر الرخيصة، يسحب سيجارة، يشعلها لينفث همومه مع دخانها المتصاعد للسماء، تعجب لأمر سيجارته، تسلبه حياته ولا يتخلي عنها، كمن يرمي نفسه في حضن امرأة‏ لعوب، تعطيه المتعة وتقوده للجحيم، ويحسب أنه يخدعها ويحرق زهرة شبابها...
يأتي الأتوبيس مسرعاً، لا يتوقف في المحطة، لابد أن يركض ليلحق به، يدرك العواقب لو تأخر عن العمل، ارتسمت أمامه صورة مديره واقفاً له بالمرصاد كأنهم يعملون في وكالة لعلوم الفضاء، وكأن الأوراق والمكاتب المتهالكة تشكو لمديره لوعة شوقها إن تأخر.
يركض مسرعاً ويقترب من الباب، يمد له الناس يد العون لينضم لهم وتكتمل منظومة الزحام، يلتقط أنفاسه من فرط المجهود الذي بذله، مازالت السيجارة بفمه، ينظر إليه الناس راجين أن يطفئها، يعز عليه فراقها خصوصاً بعد أن نظر ووجدها مازالت في ربيع عمرها، يسحب نفساً أخيراً طال كقبلة وداع، ثم يلقيها...يأتي الكمسري:
- تذاكر...تذاكر...
يخرج النقود من جيبه، كأنه يقطع من لحمه، يمد بها يده:
- ما هذا يا أستاذ، تعريفة الركوب ارتفعت.
- لماذا؟
- أنت مش عايش في الدنيا ولا إيه؟ البنزين ارتفع سعره يا أستاذ.
- طيب وما علاقة الأتوبيس إن كان يعمل بالسولار؟
يغضب ويسخط لكنه لا يطيل النقاش، يخرج المبلغ المتبقي، يعطيه للكمسري الذي يدفع نحوه التذكرة بقسوة ويتوجه صوب الراكب التالي، يضع التذكرة بحزن في جيبه، ينظر حوله شاكياً حاله للناس:
- كل حاجة في الدنيا سعرها بيزيد إلا البني أدم.
لا يجيبه غير الصوت المرتفع للمحرك وحبات العرق المتصببة على الجباه، فظل واقفاً متأففاً حتى يصل الأتوبيس لمحطة القطارات، يهبط ومعه الكثيرون، ينتشرون كنحل انكسرت الخلية التي يسكنوها، ينظر لساعة المحطة، ميعاد قطاره قد أقترب، يركض، يتفادى الناس برشاقة وحيوية كمن كان يستمتع بجلسة تدليك منعشة داخل الأتوبيس، يصل لرصيف القطار الذي بدأ التحرك مصدراً هذا النفير القوي معلناً بدء رحلة جديدة...
يركض بكل قوته، يتعلق بباب عربة القطار، يقفز قفزة رشيقة فيستقر بداخله، يتكئ على ركبتيه، يلتقط أنفاسه بصعوبة، يأتي الكمسري:
- تذاكر...تذاكر...
يعتدل ليواجهه، تبدو على وجهه علامات الإعياء الشديد، يحدثه الكمسري بحنان الأب:
- ألتقط أنفاسك يا بني، لماذا أنهكت نفسك هكذا ولم تركب القطار التالي؟
- هذا يوم لا يمكن أن أتأخر فيه.
- لماذا؟
- هذا يوم انتهاء العمل بعقد مؤقت وتثبيتي بالوظيفة.
- ألف مبروك، هذا ببركة دعاء الوالدين يا بني، لا تنسي أن تبرهما.
- إن شاء الله وبارك الله فيك.

ثم أخرج من جيبه الاشتراك السنوي في هيئة السكك الحديدية، فحص الكمسري الاشتراك ثم ابتسم وغادر المكان. شعر بحنان غريب لسيجارة، أخرج واحدة من العلبة بلهفه، أشعلها ثم أرتكن بظهره على باب العربة، سبح في أحلامه، العمل الثابت، المستقبل، الاستقرار، الزواج بمحبوبته، تكوين بيتاً سعيداً ينعم فيه بكل الحب والهناء، مساعدة أبيه الذي نال الشيب منه، تعويض أمه وشقيقاته عن أيام العوز والفقر، سيشتري لأمه الشال الحرير الذي كانت تتمناه، سيشتري خروفاً كبيراً بقدوم العيد و...و...و...
في أثناء ذلك خرج شخص أخر ليشعل سيجارة - من النوع الفاخر– تاقت نفسه لينال واحدة من هذا النوع، لكنه نظر لسيجارته وأكتفي بنصيبه...
سحب نفساً من سيجارته ليعلن لها عن رضاه، ثم عاد لأحلامه وأفكاره مرة أخري، استرجع كلام أصحابه الذين سئموا البقاء والاستمرار في هذه الأحوال الصعبة وتفرقوا في كل بقاع الأرض. كم أفتقدهم جميعاً، خاصة أعزهم وأقربهم لقلبه الذي لم يراه منذ أكثر من عامين، تذكر آخر محادثة لهما على الهاتف:
- كيف الحال يا زعيم؟
- تمام الحمد لله، وحشتني قوي يا بني.
- أنت كمان. قولي بقى، قررت القدوم للعمل؟ مجال خبرتك مطلوب هنا جداً.
- لا يا عم، لا يمكن أن أبتعد عن أهلي؟
- يا بني سيبك من الكلام ده، خليك تعرف تتزوج وتعيش لك يومين.
- يا عم الرزق على الله.

سحب نفساً عميقاً أنشلت به كل خلايا عقله كمن تلقي صدمة كهربائية عنيفة، ثم هدأت تماماً، استكان عقله ثم عاد للعمل مرة أخري، تذكر سبب تأخره اليوم، أمتعض وجهه عندما تذكر أنه كان يتابع هذا الفيلم المثير ولم يستيقظ لصلاة الفجر وكاد أن لا يلحق بالقطار، وعد نفسه أنه لن يضيع صلاة الفجر مرة أخري وسيتوقف عن متابعة هذه الأفلام التي لا طائل من ورائها...يرن هاتفه المحمول رنة مقتضبة، ينظر بلهفة، يجد رقم محبوبته تلقي عليه تحيه الصباح، ابتسم عندما تذكر ملامحها الهادئة وتلك الأوقات الجميلة التي تمر معها دون أن يشعر وكأن عقارب الساعة تتوقف. يرفع هاتفه ليرد التحية بالمثل، ينظر من نافذة القطار ليلقي السيجارة، يستوقفه جمال الطبيعة وذلك اللون الأخضر الجميل الذي يغطي المزارع، يملأ صدره بالهواء النقي القادم من تلك الحقول، يتحسر لما فعله التدخين برئتيه، فوعد نفسه بالتوقف عن التدخين وردد:
- نعم سأسعى لهذا في أقرب وقت.
يتوجه ليفتح الباب ليدخل العربة، لكن فجأة يهتز القطار بشدة إثر ارتطام عنيف كاد صوته أن يصم الآذان‏، يسقط على الأرض، ينقلب القطار رأساً على عقب، الصرخات والأنات علت على صوت المعدن الذي تكوم على بعضه حاصداً الناس وجامعاً همومهم وأحلامهم بعضها على بعض...
عم الصمت التام الذي لم يقطعه سوى صوت هاتفه المحمول الذي رن للمرة الأخيرة...

الاثنين، مايو 29، 2006

ذات العيون الملونة

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"



دخل المكان بثقته المعتادة, تكاد تسمع صوت خطواته الراسخة على الأرض.
بهي الطلعة, يعلم أنه محط للأنظار.
لا يتلفت حوله كثيرا و لا يكترث لنظرات النساء.
فبجانب إيمانه بأن العين تزني و زناها النظر,
بدأ يوقن بأنه لن يجد المرأة التي يبحث عنها في هذه الحياة.

عيون مختلفة ألوانها تحاوره راجيتا, لكنه يأبى.
كلها تبدو كأبواب مغلقة, تحمل نفس اللون الرمادي الداكن.
لا تقوده لهذا السحر الكامن في روح حبيبة الأحلام.

توجه بهدوء صوب الطاولة حيث رفاقه.
لم تفارق وجهه تلك الابتسامة, التي تضفى على مظهره ثقة وغموض.

أخذ يمازحهم كعادته, يطلق النكات, فتعلو الضحكات.
يبدو كأسعد أهل الدنيا, لكن تسكن بداخله الأحزان.
إثر فقده المحور الذي تدور حوله أفكاره و نجاحاته.
ماتت أمه التي علمته أن يكون قويا.
فتجده صلبا, صامتا كجبل, لا يصدر الأنات.

لكن قلبه - رغم أحزانه و قنوطه - لم يتوقف عن النبض مناديا معشوقته,
مستغيثا كغريق تتقاذفه الأمواج.

مثل سائر الأيام, تسير الأمور بشكل رتيب.
لكن هذه المرة يشعر بطاقة عجيبة تملئ المكان.

أثناء لهوه, ناداه صمتها.
ينظر, يراها جالسة بشموخ بهره.
لا تكترث مثله لأحد, و تتفادى النظرات.

تجمد الوقت. بدأت أصوات أصحابه تبتعد, حتى عم الصمت.
ثم يسمع دقات قلبه تعلو, عندما تلاقت النظرات.

رمشت عيناه, فأومض المكان...

وجد‏ نفسه فوق ربوة مرتفعة تطل على بحيرة زرقاء.
تحيطها رمال تحمل بريق الماس, و كل عطور الدنيا ملئت الوديان.
نظر بعيدا, رآها جالسة بثوبها الأزرق الفضفاض, و الطبيعة من حولها تدللها.

يخجل من حسنها القمر و يحتجب, لتسكن عيناها كبد السماء.

شعرها كالليل. يحمله الهواء بعشق, و يرتفع طائرا.
ثم لا يقدر على حسنه, فيتركه ينسدل برفق على ظهرها.
معلننا مولد ليلة لم تُسطر بكُتُب‏ الأساطير و الحكايات.

تحتفل البحيرة بصورة وجهها, فتطلق القطرات,
لترسم القلوب في الآفاق, تتراقص حبات الرذاذ حول تلك القلوب.
كل شيء يحتفل بجمال عينيها الزرقاء.

يقف بعيدا. يلمحه الرذاذ, فيناديه: "اقترب".
يشعر بجناحي الشوق يحملانه إلي جوارها.
يراها ترسم بأناملها الرقيقة لفظ الجلالة على الرمال.
من دون أن يشعر, ردد: "الله".

ألتفتت إليه, ذهل بجمالها الذي أجبره على إغلاق عينيه.
تحسر لضياع تلك اللحظة, فأسرع يسابق أشارات عقله ليستعيد ذلك النور المفقود.

تحتضن الأشجار المكان بحنان, و تشبك فوقه الأغصان.
تنفذ من خلالها أشعة الشمس برفق,
ثم تداعب الأطراف الذهبية للعشب الأخضر الذي يكسو الأرض.
قبل أن تنعكس على شلالات الفضة التي تنحدر على صخور اللؤلؤ و المرجان.
فتصدر خريرا ناعما, يأسر الوجدان.

يبحث عنها بلهفة, يراها تتهادى بجوار نخيل الواحة الغناء.
مرتديه ثوبا أخضر مرصعا بخيوط الذهب و الكهرمان.
تترنم بلحن عذب...
فتنتحر الورود و الياسمين تحت قدميها لكي لا تطأ ما سواهم, و تتمايل الجذوع و الأغصان.

جلست إلى طاولة من فضة, تداعب قطع الشطرنج.
يقترب منها, ثم يجلس. يخفق قلبه بشدة, و يحرك أول قطعة.
تبتسم بدلال و خجل, كأنها تعرف حركته الأولى منذ قديم الأزل.
ثم تنظر له, و تطرح عيناها الخضراء أسئلة كثيرة.
ينبهر بجمالها, فيقولها مرة أخرى:‏ "الله".

أراد أن يخبرها كل كلام العشق و الغرام, لكنه استنفد ما هو مباح.

قد حان الوقت ليغلق عينيه...

نازعته نفسه ليراها مجددا, لكن أتاه صوت صاحبه ليخرجه من جنة هذه الأحلام:
- "الله"؟ ما بك يا صديقي, أتحلم و أنت مستيقظ؟
ذهل عندما وجد نفسه محاطا بنفس المكان.
نظر حيث تجلس ليتأكد من وجودها. نعم, ليس خيال.
فأشاح بوجهه مسرعا, لكي لا تخطفه عيناها إلى جزر الأحلام.
مال ناحية صاحبه و همس له:
- أترى تلك الفتاة...ذات العيون الملونة؟
- أتقصد تلك الفتاة ذات الحجاب الأخضر؟
- نعم.
- أراها, لكن...عيناها ليستا ملونتين.

وضع يده بجانب وجهه متفاديا رؤيتها, كمن يتفادى النظر إلى الشمس:
- سلامة عيناك؟
- خبرني...ما لون عيناها إذا يا صقر الفلاة؟

تحير, لقد رآهما بكل ألوان الطيف. قال مترددا:
- ز ز...زرقاء. لا, لا لا...إنها خضراء. لا, لا..إنها...
قاطعه صاحبه ساخرا:
- ما هذا...أسقط أبا الفوارس أسيرا؟

شعر بالخجل. كان دائما يسخر من كل أصحابه.
متباهي بأنه لم و لن تقدر عليه أي من بنات حواء.
تلعثم و تملص من الإجابة:
- عجبت لأمرك أخي. سألتك سؤالا محددا "أتعرف من هي؟"
- لا تغضب, ما يسعدك يسعدني. نعم, أعرفها و أعرف أهلها جيدا.
لذلك أخبرتك "عيناها ليستا ملونتين".

تعجب لكلام صاحبه, لكن حدثته نفسه مستنكره:
"ما أدراه بأمر الأعين؟. آآآه, لو رأى‏ ما رأينا"

ثم انهال على صاحبه بالأسئلة ملهوفا,
كتائه في صحراء وجد على مدى أفقه واحة ظليلة:
- أراها و أهلها على خلق و دين؟ فهل هم كذلك؟ و هل...و هل...
ضحك صاحبه:
- تمهل, رفقا بنفسك. نعم, أحسبهم كذلك و أكثر. و لا نزكي على الله أحداً.

تردد قليلا قبل أن يسأل بخوف و قلق:
- هل هي مرتبطة؟
مر الوقت كالدهر. لم يجب صاحبه, فلكزه برفق ليتكلم, فتأوه:
- آآآه, حسنا حسنا. أنت تعلم أنك حبيبي. لكن...؟.
ثم صمت ثانية وعلى وجهه ابتسامة ماكرة.
شعر بأمواج عارمة بداخله, بدأ يتوتر, و كاد أن يوبخه.
لكن صاحبه رفق بحاله:
- لا, ليست مرتبطة.

كاد يطير من شدة الفرح. أراد أن يعانقه...و...
قاطعه صاحبه قبل أن يغرق في بحور الأحلام ثانية:
- ماذا بعد يا فارسنا الهمام. أتحب أن أقدمك لها و لأهلها الآن؟
- لا. سأستخير ربي أولا. ثم نسأل عنهم أكثر, لنتيقن.
قال صاحبه:
- هذا ما عهدته فيك, لا تغلب مشاعرك على دينك.

ثم أخذ يداعبه بأداء مسرحي:
- خبرني. هل ستفرش لها الأرض ذهبا و مرجانا وحريرا؟.
و تكون الفارس الأسطوري الذي يخفق قلبه لها وحدها.
يحارب الوحوش من أجل أن يعيد لها جناحيها.
و كل هذا الكلام الذي أزعجتنا به طيلة حياتك.

- تعرفني جيدا. لو ملكت الدنيا لوهبتها لمن أحب.
- آلا تخشى أن ترفضك؟
ابتسم, ابتسامة الواثق بربه:
- هذا نصيب, قد خلق الله كل شيء بقدر.
غمز بعينه, ثم قال ضاحكا:
- دعني أسألك, هل رفض أحدا من قبل أن يدخل التاريخ؟.

الثلاثاء، مايو 23، 2006

العبيط أهو

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"


الأطفال تركض خلفه, يقذفونه بالحجارة و يصيحون

"العبيط أهو", "العبيط أهو"

يهرب و لا يعلم مما يهرب؟
يتألم و لا يدرك لم الناس تهاجمه؟
هو لا يدرك أى شيء, فقط غريزة الخوف تجعله يهرب

لم يفعل شيئًا لأحد, و أبدا لم يؤذى أحدا
الناس ينظرون إليه فى الطرقات و ينفرون منه
هل يخافون من ثيابه الرثة الممزقة؟؟ أم يخافون أن يؤذيهم؟؟؟

يبيت كل ليلة فى برد الطرقات كالقطط و الكلاب الضالة
لا يرعاه أحد, الكل يهينه و يؤذيه و قليلا هم من يعطفون عليه
كأنما انعدمت الرحمة من الدنيا
و كأن الناس أصبحوا بلا قلوب تحن أو ضمائر تئن

هو لا يذكر فى الدنيا غير تلك المرأة الطيبة التى أبدا لم يدرك أنها أمه
يذكر كم كانت تحنو عليه كثيرا
يذكر هذا البيت الدافئ‏ و كيف كانت تطعمه بيدها أشهى الطعام
تنظفه و تصفف له شعره و تقبله و تحتضنه

و لكنها كانت دائما تبكى

فيبكى مثلها, فتمسح له دَمْعه و تنظر له بحنان ثم تضمه لحضنها
يشعر بالدِفء‏ و يشعر أيضا بحرارة دموعها التى تتساقط على وجهه
يشعر معها بالأمان و لكنه لا يدرك, لماذا تبكى؟
أويدرك ما هو البكاء؟ فهو لا يدرك

ذات يومٍ
خرجت و تركته وحيدا فى البيت و ذهبت للسوق
و قبل أن تعبر من الباب, تخفض من غطائها على وجهها
تسير و هى تنظر للأرض, لتتفادى نظرات الناس الذين يرمقونها بنظرات قاسية
و كأنها أقترفت ذنبًا و هى لا تدركه
يشعرونها بالعار لكونه ابنها و لكنها لا تملك إلا أن تحبه

يشعر هو بالوحدة‏ دونها, فيذهب ليبحث عنها, فلا يجدها و يضل طريق العودة

تحزن هى بدونه و يشقى هو بدونها
و تمر السنين و لكنه لم ينساها
و من حين لأخر, يستطيع عقله البسيط أن يرسم صورتها, فيضحك ضحكة بلهاء

و بينما هو سائر, فإذا به يمر بهذا الطريق الذى فيه بيتها
كل الأماكن و البيوت تتشابه لديه
و لكنه شعر بأن خلف هذه الجدران يوجد من يحبه

يدخل البيت, يرى الكثير من الناس, و لكنه لا يدرك شيئًا
يتوجه مسرعا لغرفتها, فيجدها ساكنة بلا حراك
أخذ يتلمس وجهها الجميل و يتشمم رائحتها العطرة
يقبلها و يحدثها بكلاماته الساذجة التى لا تضحك أحدا غيرها
و لكنها هذه المرة لا تجيب, لقد أصبحت مثل الآخرين
أخذ يصرخ و يهزها, طالبا منها أن تحدثه, فلا تجيب
فبكى, فقد ظن أنها لم تعد تحبه

ثم جاء الآخرون و أبعدوه عنها, فأخذ يصرخ
و أمام عينيه وضعوها فى هذا الصندوق الخشبى و لكنه لا يدرك
حملوا الصندوق على أكتافهم و مشوا فى صمت

فظل يركض حولهم و عقله القاصر لا يعينه على فعل شيء
هاج و ماج, فهو يريدها أن تحنو عليه
دفعوه بقوة, فسقط على وجهه أرضا
لكنه لم يكترث لجراحه و لم يهن
و ركض ورائهم حتى أدركهم

هو فقط يريدها أن تحتضنه و لكنه لم يستطع أن يعبر
و كل مرة يبعدونه عنها
حتى وضعوها فى مثواها الأخير
و صلى الجميع و لم يصلى, فهو لا يدرك

ذهب الجميع و تركوه يبكى و يضع على نفسه التراب, فهو لا يدرك شيئًا
حتى انهار و تمدد بجوار قبرها
لا يستوعب كل هذا الألم بداخله
ألم شديد, إنه الحزن لفراقها و لكنه لا يدرك

ذهب الجميع و لكنه ظل أبدا بجوار قبرها
هو الوحيد الذى أحبها بلا سبب
أحبها على الرغم من أنه لا يدرك

دُفنت هى و لكن ظلت الأسئلة حيه بيننا

ما ذنبها؟؟ و ما ذنبه؟؟
هل يختار أحد أن يفقد عقله؟؟؟

لو رآه رسول الله (صلى الله عليه و سلم) , هل كان سيعامله كما نعامله نحن؟؟؟
أم كان سيحنو عليه أكثر من أمه؟؟؟

و إن كنت أنت أضعف من شربة ماء, فلماذا لا ترحم من هو أضعف منك؟

بقلم: عدنان القماش

الثلاثاء، مايو 09، 2006

لقد عادت

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"


دخل بيته و توجه لغرفته, فتح بابها
ألقى بنفسه على فراشه كمن ينوء بحمله
و يسقط كصخرة تنحدر من فوق جبل مرتفع لتغوص فى أعماق البحر
يهدأ قليلا حتى تهدأ حدة أرتطامه بسطح المياه الباردة
ثم يبدء رحلة الغوص لأعماق المجهول المليء بالحيرة و الغموض

أخذ يحملق فى سقف غرفته...و يشعر بهدوء عجيب...ذلك الهدوء الذى يسبق العاصفة

كانت المفاجأة كبيرة...أكبر من أن يستوعبها عقله..نعم لقد عادت...و أتصلت به
لم تقل الكثير...و لكنها عادت
شعر بأفكاره تتبارز فى تناحر شديد و تراقصت مشاعره على قعقعة السيوف

تذكر لحظة أن لمس يديها
لمسة حركت كل مشاعره كأمواج مرت عبر جسده..فتُحرك كل ساكن بداخله
فتحتضنها الرمال الملتهبة برفق...فيتصاعد رذاذ التقائهما محملا بحرارة الشوق

فأراح رأسه إلى الوسادة...و أغمض عيناه..عله يهرب من لهيب هذا الشوق

فرأى طفل يلعب...و يهلل بسعادة:
- لقد عادت
- نعم..بعد كل هذه السنوات...قد عادت

كان الطفل فرحا كمن عادت أمه إلى البيت بعد غياب طويل و قبلته بحنان و هو يلعب
لا يهم إن كانت متعبه من طول رحلتها الشاقة...لكنها موجودة و قد عادت

أخذ يتأمل هذا الطفل كثيرا و يتعجب
أنه الطفل الذى يعيش بكيانه...هذه البراءة التى يحفظها كل منا منذ أيام طفولته
ظن أنه فقده...فكم كان قاسيا معه عندما بكى لفراقها
أخذ الطفل يصرخ و يبكى:
- إنى أريدها
فيجيبه:
- لقد رحلت
فيصرخ الطفل و يقول:
- إنى إريدها...فأنا أحبها و أعلم أنها تحبنى
فقال له:
- من ترحل و تهجر؟ لا تعرف الحب
فيبكي و يقول له:
- لا...أنت من تركها ترحل و لم تحارب من أجلها...أنت من تركها ترحل
فصرخ به:
- ما كان بيدى حيلة؟ فأنا حتى لا أعلم لم رحلت و تركتنا, كنت كمن يعاقب على ذنب لا يعرفه؟

و لم يهدأ الطفل و ظل يبكى...فقسى عليه
جره من يده...و ألقى به فى ذلك المكان المظلم فى غياهب نسيان روحه
لم يكرهه لحظه..و لكنه خاف عليه
سجنه بعيدا..كى لا يتركه يؤذى نفسه..و لا يسمع صراخه

و عاش أيامه...حاول أن ينساها...ذهب لكل مكان...جاب البلاد
شارك فى معارك لا ناقة له فيها و لا جمل
خاض الأهوال...الناس تساقطت من حوله
ربح و خسر...أنتصر و أنهزم...و لكنه يوما لم ينساها
و ظل السؤال يجوب معه البلاد...و يسأله بإلحاح:
- لماذا لم تنساها؟؟؟

تمنى لو كان قلبه قاسيا مثل رفاقه...فهم يبدلوا النساء كما تبدل الملابس
و الكل سخر منه و من أحلامه...عاش كقيس مجنون ليلى
و لكن هل هو ساذج لكونه برئ؟؟ أم هو مخطئ لأنه أحب؟؟؟

فسمع صوت ضميره يوقظه قائلا:
- لكن هذا حب قصص و أساطير...لم يبنى على حق
- فالحب لا يأتى إلا بالعشرة الطيبة و الخلق و المعاملة الحسنه
- الحب يأتى بالمشاركة فى ما هو حلو و مر
- الحب يأتى عندما يبنى على تقوى الله

و هنا جاءه الطفل بوجهه البرئ مبتسما و قال:
- و لكنك لم تبغى يوما غير تقوى الله...فكنت دائما تريدها زوجة

فصرخ فيه الضمير:
- يا بن أدم..أنت تعيش أيام معدودة فى هذه الدنيا و ستفارق و ستسأل
- ستسأل لا محاله...فبماذا ستجيب؟؟؟ كنا نلهو و نلعب ثم سنتزوج؟؟؟
- فأين العقل؟؟؟ أين؟؟؟

فأجاب هو:
- و لكن الحب ليس حرام؟

فأجاب الضمير:
- نعم...الحب ليس حرام...إن كان فى أطار ما شرع الله
- يا بن أدم...الطريق شرعه الله و أوضحه...فمن يحيد عنه...هو الخاسر
- يا بن أدم...قد هداك الله و رحمك من معصية كنت مصرا عليها...فلما تعود لذنبك؟
- يا بن أدم...أنت تريد من تصون بيتك و عرضك و تربى أبنائك على تقوى الله
- يا بن أدم...من تخون مره تخون مرات...التسامح جميل و لكن التناسى خطيئة

فبينما يفكر فيما يقوله ضميره...أمسك الطفل بيده و أبتعد به قليلا و همس له:
- نحن نحبها و ها قد عادت...فماذا أنت فاعل؟

فوجه سؤاله للطفل و عيناه مليئه بالحيرة:
- و ما أدراك أنها قد عادت؟ ربما كانت مجروحه و تحاول أن تستعيد ذكرى قد مضت
فأجابه الطفل:
- لا...أنا أشعر بأنها قد عادت...و أراها خلف كلماتها القليله...تنتظر

فوضع يده على رأسه كمن يحاول أن يقضى على هذا الصراع الدائر بداخله
ثم نظر للطفل و قال:
- و لكنها هجرت من قبل و رحلت...و أنا نسيتها

فأجابه الطفل:
- لا تكذب, فأنت لم تنساها...كنت أسمع قطرات الحزن تتساقط بداخلك لترتطم بجدار قلبك الخاوى بعد رحيلها...فتزيد آلامه
- لا, لم تنساها...مازلت أذكر أحلامك التى كانت تداعبك...كلما نزلت هى ببلد أنت هارب فيها
- لا, لم تنساها يوما...و مازلت تنطق أسمها كترياق يشفى جراحك

فصرخ فيه و قال:
- لقد جرحتنى...و أنت طيله حياتك طفل ساذج, كفيف, لا ترى
فأجابه الطفل:
- أنت من أفقدتنى بصرى بخوفك الزائد على و حبسك لى بين أضلاعك..دعنى أخرج و أخطئ و أتعلم

فقال له:
- أخذت فرصتك من قبل و كنت ما تزال ضعيفا
- خرجت تلعب و تلهو معها فى حدائق غناء
- و لم ائتمن قبلها أحد عليك...غير أمى
- فجرحتك و هجرتك...و أمك و قد ماتت و تركتك
- و أصبحت وحيدا و ليس لك غيرى الأن

فقال له الطفل:
- لا تخف, أنا الأن تعلمت و هى عادت لنا
- و أنت تعلمت الحياة و تغيرت كثيرا و أصبحت تقف على أرض أكثر صلابه
- و هى لن تؤذينى أنا أعرفها جيدا
- فطالما رأيتها ذلك القمر الذى كان ينير لنا ليالينا...فى ليلة كنت أرجو أن لا تنتهى
- و ما زلت أراها تلك الوردة الجميلة و لكنها فقط سقطت فى أرض قاحلة
- دعنى أرعاها و أحنو عليها و أسقها من ينابيع حبى...و ستعود و تزهر و تتفتح
- أرجوك أعطينى هذه الفرصة...ماذا سنخسر أكثر مما خسرنا؟
- كفاك عناد...ماذا سنخسر؟

فناده الضمير:
- أفق من أوهامك...فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين
- يا بن أدم...الحب أمتلك قلبك لكونه خاوى من حب الله
- يا بن أدم...من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
- يا بن أدم...هذا ليس دورك فى دار الأختبار
- خدعك الشيطان مرة...فلم تعود؟؟؟!!!

فظل حائرا و الاثنان يحاصرانه و يتردد صدى أسئلتهم فى جنبات نفسه مرات و مرات
الطفل يصرخ:
- ماذا سنخسر...هى و قد عادت..ماذا ستفعل؟؟؟
و ضميره يتسائل:
- خدعك الشيطان مرة...فلم تعود ؟؟؟!!!

قلبه مازال يتلاعب به....و ضميره يدعوه للخير...فبدء عقله يسبح فى بحور الحيرة

حتى تردد بداخله قول الله تعالى من سورة الجاثية:
"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
أَفَلَا تَذَكَّرُونَِ"

فعم الصمت المكان و هدء كل شئ و استكان

هو...فأكرمه ربه بجعله ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه
و الطفل صمت أيضا و وقف متحيرا بعد أن ترددت أصداء هذه الآية

فأقترب من الطفل و ربت على كتفه و قال له:
- الشيطان خدعنا...و نفسنا أمرتنا بالسوء
- و أنت تعلم إنى أحبك و أخاف عليك...فلا تخف..ستخرج للدنيا...ستُحِب و تُحَب
- و لكن أولاً يجب أن تصبح رجلا

- فماذا تختار؟؟؟
- حب لا معنى له, مبنى على أرض لا وجود لها؟؟
- أم حب لخالقك و جنة عرضها السموات و الأرض؟؟؟

فنظر له الطفل نظرة الواثق فى من يحدثه و ترقرقت عيناه بالدموع
و ألقى بنفسه فى حضن صاحبه و بكى, ثم قال:
- و لكن الألم شديد
فقال له صاحبه:
- نعم..أعلم..و لكن النار وحدها هى التى تصقل المعدن النفيس
ثم مسح على شعر هذا الطفل البرئ و قال له:
- إبكى...فإن البكاء يطهر النفس و يزيل الألم...إبكى بكاء الرجال

ثم فتح عينيه و أعتدل ببطأ على طرف فراشه و أخذ ينظر لباب الغرفة المفتوح
ثم قام من مقامه و على وجهه ابتسامة رضى
و بهدوء توجه إلى الباب الذى كان قد نساه مفتوحا
فأغلقه

فلم كانت هذه الابتسامة؟؟؟
هل هى ابتسامة تصالحه مع نفسه فعلا؟؟؟ و هل وجد السلام بداخله؟؟؟

و أنت
إذا طويت هذه الصفحة, فوجدت الصفحة التاليه بيضاء
فماذا ستكتب عليها؟؟؟
أتعيد كتابة نفس هذه القصة؟؟؟
أم ستسطر قصة حقيقية تقربك إلى الله؟؟؟

الخميس، أبريل 20، 2006

إن للحريه ثمن

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"


كان متكئ على حاجز العباره...
و كانت مشاعره و أفكاره المتصارعه بداخله تشبه تلك الأمواج التي تلطم جانب العباره...
و لكن برودة الجو خففت من سخونه هذا الصراع...
فتنهد و نظر للأفق البعيد ليرى الضوء المنبعث من مدن الساحل...
آلاف‏ الناس...كل يعيش يومه و همه...و لا أحد يشعر بالأخر

و تذكر أهله فكم أفتقدهم..
اشتاق لأمه...التي طالما كانت تحنو عليه و تواسيه عندما تشتد صعاب الدنيا...
و أبيه...الذي كان يحمل ابتسامه عذبه على الرغم من شقاء و هموم السنين...
و حبيبته...تلك الزهره الجميله التي كانت كسحابه ظليله في حر صحراء قاحله...
الإخوة...و حبهم االبريء...
أصدقائه...من كان ينفث معهم عن ذلك البركان بداخله و يجد السلوى في تبادل النكات و الضحك...
الجيران...و تلك الذكريات التي كانت جزء لا يتجزأ من حياته...
و رائحه الجو المنعشه و دفأ الشوارع بعد تساقط المطر في أيام الشتاء...
ياالله فكم اشتاق لكل شبر في أرض مصر...ولكن لماذا يحبها كل هذا الحب؟؟؟
و جال السؤال بخاطره...و لم يجد إجابه له!!!
فهو لم يلقى فيها إلا الظلم و القهر و الجهل و الفقر و كتم الحريات...
و قد هجرها بعد أن ضاقت به أرضها بما رحبت
فخيرها ذاهب لإقطاعى العصر الحديث...و أهل الفساد و التفاهه...من تجار مخدرات و مرتشين و مطربين و راقاصات و لاعبي الكرة و غيرهم ...

فهجرها و ذهب ليعمل في بلاد الخليج...
و وجد نفسه أرخص من الهندي في بلاد العرب...بلاد الأخوه...و الأشقاء في الدين و اللغه؟؟؟
و جالت الأفكار برأسه...
كيف يتحول شعب بهذه الروعه و العظمه إلى ما هو عليه الأن...
كيف يعامل مثل العبد بنظام الكفالة,و يستطيع سيده أن يدمر حياته و يحرمه
من العمل فى أرض هى ملك لله وحده...
و لا يستطيع ترك العمل إلا بعد رضا سيده؟؟؟
يبدو أنهم نسوا أن السيد هو الله (إلا من رحم ربك منهم)

و تذكر كيف ترك وظيفته الحكوميه وسافر ليجمع القليل من المال...ليرتبط
بالإنسانه التي أحبها طيله حياته
شرب من كأس الغربه المرير لمجرد أن يدفع مقدم لعش صغير يجمعه بحبيبته...
ليكون مرسى لهم عندما تموج بهم الدنيا و تزيد عليهم همومها...
و لكن خير هذه البلاد قل و نقص...و أصبح مقصور على أهلها و أصحاب العيون الملونه و الشعر الذهبى...
أما هو فملامحه السمراء لا تدل إلا على إنه من بلاد, كانت في يوم من الأيام تقود العالم..
و لكنه الأن أصبح ذليل, لا كرامه له و إذا أحترمه أحد..
يحترمه فقط تخليدا لذكرى طيبة يحملها هذا الإنسان لأرض
كانت دائما أرض دين و علم و ثقافه
و صرخ السؤال في رأسه...كيف هان المصري لهذه الدرجه...كيف؟

و شعر بالدموع في عينيه...فأدار وجهه لجهه أخرى لعله يهرب من هذه الأفكار...
فتلاقت عيناه بعينى طفل يلقي برأسه بأمان علي كتف أمه التي تحمله بحنان و تداعب شعره...
و تتحدث مع زوجها قليلا ثم تعود لتقبله بكل حنان الدنيا...
و كان الأخ الأكبر لهذا الطفل يلعب حول أبويه...و يتواري خلف أمه ثم يعود و ينظر إليه..
فأبتسم...فهو يحب الأطفال بطبعه و من لا يحب الأطفال بكل برائتهم...
سبحانك يا الله...فما زالت هناك رحمه في هذه الأرض

و تذكر طفولته...تذكر أستاذ التاريخ الذي كان دائما يحكى قصص أبطال أرض مصر...
و كيف قاوم شعبها و ناضل ضد الأحتلال و الظلم و الفساد...
و سمع صدى الجمله التي طالما رددها هذا المدرس بنهايه كل بطوله..."إن للحريه ثمن"
و بينما هو غارق فى أفكاره...يدء يترنح...نعم يترنح
فالعباره تهتز...و الأم تمسك بأبنها الصغير و تصرخ...وسقط الطفل وسقطت البراءه...
الكل يحاول أن يتشبث بأى شئ و لكن العباره تميل بسرعه و تلفظ الناس في الماء...
و كأنها ملت من خضوعهم و رضاهم بالذل و الظلم
و بدء الناس يتساقطون...و حاول أن يمسك بحاجز العباره...و لكنها تلفظه...

ترددت مقوله أستاذه في ذهنه..."إن للحريه ثمن"

و سقط في الماء...و أخذ يقاوم ...و تعصف بعقله الأسئله...
لم يصدق أن حياته تنتهى و أحلامه تنهار
رأى الدموع في عيون أمه...فارقت الأبتسامه وجه والده...أصبحت حبيبته أرمله قبل عرسها...
أحلامه كانت سراب...بدء ينقشع ليرى أن الدنيا كانت ساعه..و لم يحسن التصرف فيها...
سأل نفسه...ماذا كانت حياتي؟؟؟ أنتهى العمر و أنا أخاف أن أدفع الثمن...
فإن للحريه ثمن...

و دارت الأسئله بخاطره و هو يصارع الموج
ماذا لو كنت دفعت ثمن الحريه...هل كنت سأخسر أكثر مما أخسر الأن؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن خسروا في كارثه القطار الذي اشتعل بمن فيه؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن ماتوا بأنفلونزا الطيور؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن صدمته سياره بن أحد البشاوات؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن انتحر لضيق ذات اليد و خسر دينه و كل شئ؟؟؟
و هل و هل و هل...و ضعفت ذراعاه....و بدء يغرق...
و صرخ و لكن البحر أبتلع صرخته المتأخره...و هو يغوص في أعماق النسيان...
و لكن السؤال ظل مطروحا...
ماذا لو دفع ثمن الحريه؟؟؟ هل كان سيتغير مصيره؟؟؟

و أسأل أنا
هل الفساد يفوق الأحتلال فتكا؟؟؟
و هل يفرق الفساد بين مسلم أو مسيحى (فكلنا في الهم سواء)؟؟؟
يا من تأكلوا بعضكم البعض...كلنا في الهم سواء...