الثلاثاء، مايو 23، 2006

العبيط أهو

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"


الأطفال تركض خلفه, يقذفونه بالحجارة و يصيحون

"العبيط أهو", "العبيط أهو"

يهرب و لا يعلم مما يهرب؟
يتألم و لا يدرك لم الناس تهاجمه؟
هو لا يدرك أى شيء, فقط غريزة الخوف تجعله يهرب

لم يفعل شيئًا لأحد, و أبدا لم يؤذى أحدا
الناس ينظرون إليه فى الطرقات و ينفرون منه
هل يخافون من ثيابه الرثة الممزقة؟؟ أم يخافون أن يؤذيهم؟؟؟

يبيت كل ليلة فى برد الطرقات كالقطط و الكلاب الضالة
لا يرعاه أحد, الكل يهينه و يؤذيه و قليلا هم من يعطفون عليه
كأنما انعدمت الرحمة من الدنيا
و كأن الناس أصبحوا بلا قلوب تحن أو ضمائر تئن

هو لا يذكر فى الدنيا غير تلك المرأة الطيبة التى أبدا لم يدرك أنها أمه
يذكر كم كانت تحنو عليه كثيرا
يذكر هذا البيت الدافئ‏ و كيف كانت تطعمه بيدها أشهى الطعام
تنظفه و تصفف له شعره و تقبله و تحتضنه

و لكنها كانت دائما تبكى

فيبكى مثلها, فتمسح له دَمْعه و تنظر له بحنان ثم تضمه لحضنها
يشعر بالدِفء‏ و يشعر أيضا بحرارة دموعها التى تتساقط على وجهه
يشعر معها بالأمان و لكنه لا يدرك, لماذا تبكى؟
أويدرك ما هو البكاء؟ فهو لا يدرك

ذات يومٍ
خرجت و تركته وحيدا فى البيت و ذهبت للسوق
و قبل أن تعبر من الباب, تخفض من غطائها على وجهها
تسير و هى تنظر للأرض, لتتفادى نظرات الناس الذين يرمقونها بنظرات قاسية
و كأنها أقترفت ذنبًا و هى لا تدركه
يشعرونها بالعار لكونه ابنها و لكنها لا تملك إلا أن تحبه

يشعر هو بالوحدة‏ دونها, فيذهب ليبحث عنها, فلا يجدها و يضل طريق العودة

تحزن هى بدونه و يشقى هو بدونها
و تمر السنين و لكنه لم ينساها
و من حين لأخر, يستطيع عقله البسيط أن يرسم صورتها, فيضحك ضحكة بلهاء

و بينما هو سائر, فإذا به يمر بهذا الطريق الذى فيه بيتها
كل الأماكن و البيوت تتشابه لديه
و لكنه شعر بأن خلف هذه الجدران يوجد من يحبه

يدخل البيت, يرى الكثير من الناس, و لكنه لا يدرك شيئًا
يتوجه مسرعا لغرفتها, فيجدها ساكنة بلا حراك
أخذ يتلمس وجهها الجميل و يتشمم رائحتها العطرة
يقبلها و يحدثها بكلاماته الساذجة التى لا تضحك أحدا غيرها
و لكنها هذه المرة لا تجيب, لقد أصبحت مثل الآخرين
أخذ يصرخ و يهزها, طالبا منها أن تحدثه, فلا تجيب
فبكى, فقد ظن أنها لم تعد تحبه

ثم جاء الآخرون و أبعدوه عنها, فأخذ يصرخ
و أمام عينيه وضعوها فى هذا الصندوق الخشبى و لكنه لا يدرك
حملوا الصندوق على أكتافهم و مشوا فى صمت

فظل يركض حولهم و عقله القاصر لا يعينه على فعل شيء
هاج و ماج, فهو يريدها أن تحنو عليه
دفعوه بقوة, فسقط على وجهه أرضا
لكنه لم يكترث لجراحه و لم يهن
و ركض ورائهم حتى أدركهم

هو فقط يريدها أن تحتضنه و لكنه لم يستطع أن يعبر
و كل مرة يبعدونه عنها
حتى وضعوها فى مثواها الأخير
و صلى الجميع و لم يصلى, فهو لا يدرك

ذهب الجميع و تركوه يبكى و يضع على نفسه التراب, فهو لا يدرك شيئًا
حتى انهار و تمدد بجوار قبرها
لا يستوعب كل هذا الألم بداخله
ألم شديد, إنه الحزن لفراقها و لكنه لا يدرك

ذهب الجميع و لكنه ظل أبدا بجوار قبرها
هو الوحيد الذى أحبها بلا سبب
أحبها على الرغم من أنه لا يدرك

دُفنت هى و لكن ظلت الأسئلة حيه بيننا

ما ذنبها؟؟ و ما ذنبه؟؟
هل يختار أحد أن يفقد عقله؟؟؟

لو رآه رسول الله (صلى الله عليه و سلم) , هل كان سيعامله كما نعامله نحن؟؟؟
أم كان سيحنو عليه أكثر من أمه؟؟؟

و إن كنت أنت أضعف من شربة ماء, فلماذا لا ترحم من هو أضعف منك؟

بقلم: عدنان القماش