الخميس، أبريل 20، 2006

إن للحريه ثمن

If the words not displayed correctly, right click on the page, and from the menu, choose "Encoding" then change it to "Unicode(UTF-8)"


كان متكئ على حاجز العباره...
و كانت مشاعره و أفكاره المتصارعه بداخله تشبه تلك الأمواج التي تلطم جانب العباره...
و لكن برودة الجو خففت من سخونه هذا الصراع...
فتنهد و نظر للأفق البعيد ليرى الضوء المنبعث من مدن الساحل...
آلاف‏ الناس...كل يعيش يومه و همه...و لا أحد يشعر بالأخر

و تذكر أهله فكم أفتقدهم..
اشتاق لأمه...التي طالما كانت تحنو عليه و تواسيه عندما تشتد صعاب الدنيا...
و أبيه...الذي كان يحمل ابتسامه عذبه على الرغم من شقاء و هموم السنين...
و حبيبته...تلك الزهره الجميله التي كانت كسحابه ظليله في حر صحراء قاحله...
الإخوة...و حبهم االبريء...
أصدقائه...من كان ينفث معهم عن ذلك البركان بداخله و يجد السلوى في تبادل النكات و الضحك...
الجيران...و تلك الذكريات التي كانت جزء لا يتجزأ من حياته...
و رائحه الجو المنعشه و دفأ الشوارع بعد تساقط المطر في أيام الشتاء...
ياالله فكم اشتاق لكل شبر في أرض مصر...ولكن لماذا يحبها كل هذا الحب؟؟؟
و جال السؤال بخاطره...و لم يجد إجابه له!!!
فهو لم يلقى فيها إلا الظلم و القهر و الجهل و الفقر و كتم الحريات...
و قد هجرها بعد أن ضاقت به أرضها بما رحبت
فخيرها ذاهب لإقطاعى العصر الحديث...و أهل الفساد و التفاهه...من تجار مخدرات و مرتشين و مطربين و راقاصات و لاعبي الكرة و غيرهم ...

فهجرها و ذهب ليعمل في بلاد الخليج...
و وجد نفسه أرخص من الهندي في بلاد العرب...بلاد الأخوه...و الأشقاء في الدين و اللغه؟؟؟
و جالت الأفكار برأسه...
كيف يتحول شعب بهذه الروعه و العظمه إلى ما هو عليه الأن...
كيف يعامل مثل العبد بنظام الكفالة,و يستطيع سيده أن يدمر حياته و يحرمه
من العمل فى أرض هى ملك لله وحده...
و لا يستطيع ترك العمل إلا بعد رضا سيده؟؟؟
يبدو أنهم نسوا أن السيد هو الله (إلا من رحم ربك منهم)

و تذكر كيف ترك وظيفته الحكوميه وسافر ليجمع القليل من المال...ليرتبط
بالإنسانه التي أحبها طيله حياته
شرب من كأس الغربه المرير لمجرد أن يدفع مقدم لعش صغير يجمعه بحبيبته...
ليكون مرسى لهم عندما تموج بهم الدنيا و تزيد عليهم همومها...
و لكن خير هذه البلاد قل و نقص...و أصبح مقصور على أهلها و أصحاب العيون الملونه و الشعر الذهبى...
أما هو فملامحه السمراء لا تدل إلا على إنه من بلاد, كانت في يوم من الأيام تقود العالم..
و لكنه الأن أصبح ذليل, لا كرامه له و إذا أحترمه أحد..
يحترمه فقط تخليدا لذكرى طيبة يحملها هذا الإنسان لأرض
كانت دائما أرض دين و علم و ثقافه
و صرخ السؤال في رأسه...كيف هان المصري لهذه الدرجه...كيف؟

و شعر بالدموع في عينيه...فأدار وجهه لجهه أخرى لعله يهرب من هذه الأفكار...
فتلاقت عيناه بعينى طفل يلقي برأسه بأمان علي كتف أمه التي تحمله بحنان و تداعب شعره...
و تتحدث مع زوجها قليلا ثم تعود لتقبله بكل حنان الدنيا...
و كان الأخ الأكبر لهذا الطفل يلعب حول أبويه...و يتواري خلف أمه ثم يعود و ينظر إليه..
فأبتسم...فهو يحب الأطفال بطبعه و من لا يحب الأطفال بكل برائتهم...
سبحانك يا الله...فما زالت هناك رحمه في هذه الأرض

و تذكر طفولته...تذكر أستاذ التاريخ الذي كان دائما يحكى قصص أبطال أرض مصر...
و كيف قاوم شعبها و ناضل ضد الأحتلال و الظلم و الفساد...
و سمع صدى الجمله التي طالما رددها هذا المدرس بنهايه كل بطوله..."إن للحريه ثمن"
و بينما هو غارق فى أفكاره...يدء يترنح...نعم يترنح
فالعباره تهتز...و الأم تمسك بأبنها الصغير و تصرخ...وسقط الطفل وسقطت البراءه...
الكل يحاول أن يتشبث بأى شئ و لكن العباره تميل بسرعه و تلفظ الناس في الماء...
و كأنها ملت من خضوعهم و رضاهم بالذل و الظلم
و بدء الناس يتساقطون...و حاول أن يمسك بحاجز العباره...و لكنها تلفظه...

ترددت مقوله أستاذه في ذهنه..."إن للحريه ثمن"

و سقط في الماء...و أخذ يقاوم ...و تعصف بعقله الأسئله...
لم يصدق أن حياته تنتهى و أحلامه تنهار
رأى الدموع في عيون أمه...فارقت الأبتسامه وجه والده...أصبحت حبيبته أرمله قبل عرسها...
أحلامه كانت سراب...بدء ينقشع ليرى أن الدنيا كانت ساعه..و لم يحسن التصرف فيها...
سأل نفسه...ماذا كانت حياتي؟؟؟ أنتهى العمر و أنا أخاف أن أدفع الثمن...
فإن للحريه ثمن...

و دارت الأسئله بخاطره و هو يصارع الموج
ماذا لو كنت دفعت ثمن الحريه...هل كنت سأخسر أكثر مما أخسر الأن؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن خسروا في كارثه القطار الذي اشتعل بمن فيه؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن ماتوا بأنفلونزا الطيور؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن صدمته سياره بن أحد البشاوات؟؟؟
هل كنت سأخسر أكثر ممن انتحر لضيق ذات اليد و خسر دينه و كل شئ؟؟؟
و هل و هل و هل...و ضعفت ذراعاه....و بدء يغرق...
و صرخ و لكن البحر أبتلع صرخته المتأخره...و هو يغوص في أعماق النسيان...
و لكن السؤال ظل مطروحا...
ماذا لو دفع ثمن الحريه؟؟؟ هل كان سيتغير مصيره؟؟؟

و أسأل أنا
هل الفساد يفوق الأحتلال فتكا؟؟؟
و هل يفرق الفساد بين مسلم أو مسيحى (فكلنا في الهم سواء)؟؟؟
يا من تأكلوا بعضكم البعض...كلنا في الهم سواء...