الاثنين، نوفمبر 30، 2009

لست وحيدا

كل هذه الأيدي الممدودة في توسل، تلوح من أجل أن تنال منك ولو ابتسامة.
يحبونك، بل هم مهووسون بك.
تصرخ، تصرخ بقوة. تجعلهم يفقدون وعيهم، تطلق العدوى بين الجموع.
لا تكترث عندما تراهم يتساقطون.. لا ترأف بحالهم، فأنت أعلم بما يريدون.
ولا تنسى أبدا عندما تنهي رقصتك - فوق هذا العالم - الوقوف على أطراف أصابعك.


ها قد حانت فترة الاستراحة.. تسترخي، تلتقط أنفاسك، ترفع شعرك الطويل المنسدل على عينيك، قبل أن تمسح جبينك الذي يتصبب عرقا.
ترتشف قليلا من الماء المثلج. تقع عيناك على ذلك الشاب الواقف هناك. يكرر كل حركاتك، إنه نسخة كربونية منك. لا تعلم لماذا تكره النظر إليه.
تطرق برأسك، تنظر صامتا بين نعليك، فتعود تلك الدمعة لتتراقص في عينيك.
كم كان المشهد قاسيا. في الظلام، يسحبون منك ذلك الطفل البريء. يلقون به لتلك الصواعق المجلجلة بضوئها الأخاذ، تنقض عليه، تخطفه بقسوة.
مازال نحيب صراخه يدوي في أذنيك، يضج مضجعك.
لا يهم هذا الآن، الوقت يداهمك، يجب أن تركز. ينتظرونك لتعود إليهم، لتفعل ما لم يفعله غيرك. سيجن جنونهم عندما يرونك سائرا فوق القمر. بالطبع لم يكن هذا ليكفيك، لذلك ستكون مشيتك إلى الوراء.
تظهر عليك علامات التوتر، لكن تكسوك لمحة من الثقة، فقد تدربت كثيرا. تقف، تنزع عن وجهك تلك النظرة البائسة. تكثر من وضع المساحيق لتطمر بؤسك وما أصاب ابتسامتك.
تعلم أنه لا مجال للفشل، الحاقدون ينتظرون فرصة لاصطيادك. سيصمونك بكل نقيصة، سيطاردونك بالإشاعات.


ها قد حانت اللحظة. تبذل مجهودا عظيما جعلهم مبهوتين. تسعى لجعل الجموع يعبدونك. لا يفيقون إلا بعد أن التهم الألم أيديهم من شدة التصفيق، وتشققت حناجرهم من الصراخ.


تبدو مرهقا، تلتقط أنفاسك بصعوبة، يتصبب العرق من كل جسدك. لكن أنصت، ها هم يهتفون باسمك. أطلقوا أجنحة شهرتك إلي الأفق البعيد، أصبحت ملء السمع والبصر.
يركضون وراءك في كل مكان. تقف لتوزع ابتساماتك التي أراها لأول مرة.
لم يكتفوا، صنعوا لك تمثالا ضخما. تذهب لتنزع عنه الستار، يتدافعون حولك.
أرى أنفاسك قد اختنقت من الزحام المحيط بك. ازداد الأمر عن حده، بدأ يفقد لذته، أصبح لا يطاق، بل صار بشعا.


أصبحوا لا يتورعون عن انتهاك خصوصيتك. ضاق صدرك، تصرخ فيهم "توقفوا". تصرخ طلبا للسلام، راجيا أن يتركوك ترتشف قطرات من الهدوء.
لكنهم لم يحترموا صرخاتك، كم هم سريعو النسيان.
تصرخ فيهم، أنك شرير. تتركهم يفعلون ما يحلو لهم. تعود لمأواك مغاضبا، تصدر أوامرك برفع الأسوار، لقد قررت أن تضرب على نفسك حصارا.


ها هي دائرة الضوء تنحسر، تنزوي بعيدا في أحد الأركان.
تلقي بنفسك فوق أريكتك، تغمض عينيك، تهدأ قليلا. تبحث حولك، لا تجد تلك الشجرة التي اعتدت الراحة في حضن غصونها الظليلة. تداعب أوراقها وجهك، تضحك، فينساب صدى ضحكاتك على جنبات المكان. فقدتها إلى الأبد، لقد ماتت على حواف صرخاتك.


تفتح عينيك لترى الظلام قد عاد ليسيطر على عالمك من جديد. صرع دائرة الضوء المرتجفة، ثم راح يلتهمها بنهم.
تشعر بضيق في صدرك، كأن روحك تصعد إلى السماء. تظل راقدا تتأمل أضواء الشموع التي تتراقص أمامك. لا تحرك شيئا بداخلك، ولا تُشعرك بدفئها.
وأَنَّى لها هذا مع برد قارس لعين، يزحف على جدران قصرك المهيب. لا يرحم ضحيته، سوداء كانت أم بيضاء. زج بك إلى سجن نفسك، فصرت حبيسا، تشعر بالتيه والغربة. يجمد أناملك، وينحت الجمود على ملامح وجهك. تبكي من شدة الألم، لا أحد يسمعك، إنهم حقا لا يهتمون.


ها هو يوم آخر يجمع عقاقيره وأدواته، يرحل ومازلت وحيدا.
فقدت بريق الحياة، صرت هزيلا. تتململ في مكانك، تحاول الخروج من حالتك المزرية. لا تكترث لهذه الدماء التي تكسو الأرض، تستند إلى حطام نفسك، ترزح في أصفادك.
تزحف نحو ذلك الرجل في المرآة. بلغت موطئ قدميه. فزعت، كأنما رأيت مسخا. تجمدت في وقفتك، لماذا لا تتقدم؟. استرضه قدر استطاعتك. تلون ، ارقص، اضحك، ابك، لعله يسمح لك أن تكون هو.


فقدت جل طاقتك، شحب وجهك وذبلت عيناك. يئست وبكت الوحدة بداخلك، صرت منكسرا. تحاول جر نفسك من هذه الحالة البائسة. تنهض مرة أخرى لتؤدي هذه الرقصة. هذه المرة تفعلها لنفسك فقط.
تقفز، تدور على عقبيك. تضحك، تضحك، لا تتوقف عن الضحك. لكن تعود لتسقط، تجثو على ركبتيك وتبكي. تحاول أن تصرخ لعل هذا يشعرك بالراحة. لا فائدة، تشعر أن الأمر عديم الجدوى، بعد أن أصاب الخرس دموعك.


لكن انتظر، ما هذا الضوء الذي يسطع هناك؟.
ارفع رأسك. اقترب، تقدم أكثر. ما هذه النظرة اليائسة؟، يمكنك تحطيم كل هذه القيود، يمكنك الهرب.
أسرع، تحرك. اترك هذا الظلام، اصهر هذا الجليد الذي تكثف على ملامحك.
مالي أراك فاتر الهمة؟. إلى أين تركض؟ ليس في هذا الاتجاه، انتظر.


ما الذي جاء بك هنا؟ لماذا تضع رأسك على الأرض هكذا؟
أراك تصغي السمع لنبض الأرض. تنبش سطحها، تحفر، تحفر أسرع، يتملكك الجنون.
تزداد الحفرة عمقا، يتحول همس نبضها إلى صراخ. تصرخ أنت، وتصرخ هي واضعة حملها.
تفزع لرؤية هذا المولود، قبل أن يرتد إليك طرفك، تجده قد برق أمامك.
تتسابق نبضات قلبك محاولة الهرب. ملامحك المتجمدة تسأل عن أشعة الشمس التي تحمل على أجنحتها قطرات الندى.
تزحف رائحته بهدوء بين ثقوب أنفك التي بدأت تضيق كأنها سم الخياط.
يكف جسدك عن الانتفاض، بدأت تسكن. تغمض عينيك في استسلام، بعد أن أيقنت.. أنك لست وحيدا.


بقلم: عدنان القماش.
14 يوليو 2009.


من مجموعة: فأر في المصيدة.

توزيع: أخبار اليوم.

هناك تعليقان (2):

twister; يقول...

مايكل جاكسون؟!

غير معرف يقول...

Dylan Thomas (a refusal to mourn the death by fire of a child in london),(love in the asylum
(in my craft or sullen art)